مقدمة
الحمد
لله الغني المتعال ذي الفضل والجلال، شرع لعباده من أحكام الإسلام ما فيه سعادتهم
ونجاتهم في الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد (ﷺ) وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته،
واقتدى به، وسار على نهجه إلى يوم الدين .......... أما بعد :
فإن الله تعالى أنعم علينا
بالإسلام، وأكمل به الدين، وأرسل إلينا أفضل رسله خلقه نبينا محمد (صلى الله عليه
وسلم)، وجعل أمته من خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن
بالله، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وأمرنا فيه بعبادته وبالإحسان إلى خلقه، قال
تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) ([1]).
فالصلاة عبادة بدنية روحية تقيم الصلة الدائمة بين العبد وربه، وكذلك الزكاة عبادة
مالية تقوم على الإحسان لعبادة الله. فالزكاة مع الشهادتين والصلاة يدخل المرء في
جماعة المسلمين ويستحق أخوتهم والانتماء إليهم. قال تعالى (فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)([2]).
فالعبادة في الإسلام تعتبر
الركيزة الأساسية التي يقوم عليها صرح الدين الحنيف. قال عليه الصلاة والسلام :
"بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،
إقامة الصلاة؛ وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج"([3]).
إن العبادة في الإسلام ذات
مدلول واسع وشامل، فهي تحمل في حقيقتها إلى جانب الطاعة والعبودية لله تعالى،
كثيرا من المعاني والمبادئ التربوية، ولها أبعاد نفسية واجتماعية، فالعبادة ليست
مجرد شعائر تؤدى، ولا تقتصر على اللحظات القصيرة التي يؤدي فيها المسلم عبادته من
صلاة وصيام وزكاة، وإنما يكون فكره وسلوكه وشعوره قائمة كلها على منهج الله تعالى.
قال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ)([4]).
إذاً فالعبادة هي الحياة كلها، فكل تصرف يتصرفه الإنسان في حياته منذ يستيقظ من
نومه، إلى أن يؤوب إلى فراشه، وفي كل عمل يعمله في نهاره وليله مهما اختلفت هذه
الأعمال كل ذلك عبادة، هو مسؤول عنه يوم القيامة، كما يسأل عن صلاته وصيامه
وزكاته. ولهذا فإن الاسلام يقيم منهجه التربوي على أساس العبادة بمعناها العام
الشامل الواسع حتى تقيم الصلة الدائمة مع الله تعالى، فهذه القاعدة الرئيسية
للتربية الإسلامية وتعتبر أن جميع ما جاء به الدين الإسلامي واقع في دائرة
التربية، لما لها من أثر إيجابي في تربية الافراد إصلاح المجتمعات لأنها تدل
الانسان على طريق الخير وتجنبه طريق الشر.
وعليه يمكن القول بأن
العبادات وما يتصل بها من أحكام وتوجيهات تساهم في تربية الفرد المسلم وترابط
المجتمع ووحدة الامة. وهذا الركن العظيم (الزكاة) فيه تربية إيجابية تتمثل مهمتها
التربوية في الانصياع لأمر الله تعالى وتحقيق معنى العبودية لله عز وجل، وتطهر
النفس الإنسانية من الشح والبخل وتدفعها نحو البذل والعطاء، وتعمل الزكاة على
إزالة الحقد والحسد من نفوس الإنسانية من الشح والبخل وتدفعها نحو البذل والعطاء،
وتعمل الزكاة على إزالة الحقد والحسد من نفوس الفقراء تجاه الاغنياء، وتعالج قسوة
القلب وتبلد الاحساس وتنمي لدى الفرد الشعور والاحساس. بمعاناة الاخرين وآلامهم.
والاسلام بتشريعه الخالد للزكاة يسعى لإيجاد مجتمع متكافل تُبنى فيه العلاقات على
أساس من المودة والرحمة، وتنمية روح الاحسان والتعاون والتراحم بين أفرادهم، حتى
تصان فيه حقوق الافراد وتحفظ فيه مصالح الجماعة. وللزكاة أثر فعال في تحقيق
التنمية الشاملة والبناء الاقتصادي، لأن الزكاة تجبر الأموال على الخوض في ميدان
العمل والإنتاج بصفة مستمرة، فقد نهى الاسلام عن كنز الاموال وحبسها عن التداول
الاستثمار، وأمر بإخراج زكاتها سواء استثمرها صاحب المال أم لم يستثمرها. وتعمل
الزكاة على توفير فرص العمل للقادرين عليه، وتأمين المستوى اللائق للمعيشة، لأن
الهدف من الإعطاء هو إغناء الفقير من مال الزكاة حتى لا يعود إلى أخذ الزكاة مرة
أخرى، كما تساهم الزكاة في حل كثير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الامة
الاسلامية المعاصرة لو أحسن توظيفها من الفقر والكوارث والحروب والمجاعات والبطالة
ونحوها.
فالزكاة لها فوائد جمة
ومنافع متعددة وآثار جليلة ترجع إلى مؤديها تارة، وترجع إلى آخذها تارة أخرى، وفي
النهاية ترجع فائدتها إلى المجتمع بتضامن أفراده وتماسكهم، ليصبح المجتمع بعد
تطبيقها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر البدن بالحمى والسهر.
فلا عجب أن عُني علماء
المسلمين بفريضة الزكاة كلٌ في دائرة اختصاصه ببيان أحكامها وتطبيقاتها الشرعية،
ومعرفة آثارها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية. ولهذا وقع الاختيار على
فريضة الزكاة لتكون موضوعا للدراسة من منظور تربوي يركز فيه على الجوانب التربوية
لفريضة الزكاة وأثرها على الفرد والمجتمع المسلم، ودور المؤسسات التربوية والوسائط
والتربوية الاخرى في المجتمع في تحقيق أهداف الزكاة وتثبيتها في النفوس، وجاءت
بعنوان : (التوجيهات التربوية لفريضة الزكاة وأثرها على الفرد والمجتمع).
والمقصود بالتوجيه التربوي
في هذه الدراسة هو الاحكام والتعاليم والتوجيهات التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى
في كتابه الكريم وبينها المصطفى عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة في مجال
الزكاة المفروضة والصدقة الواجبة، ليسير بمقتضاها الانسان في حياته لتحقق له
السعادة في الدنيا والاخرة. إن الاوامر والنواهي التي جاءت في شأن الزكاة والصدقة
تعتبر أداة تربوية مهمة في تربية الفرد المسلم وإصلاح المجتمع، لأنها صادرة من عند
الله تعالى، وعليه فإن العبادة هي المدخل الرئيسي لكل تربية.
فيجب غرس مفهوم العبادة
وحقيقتها في نفوس الناشئة وتربيتهم على أداء العبادات وفي مقدمتها الصلاة والزكاة،
والعمل على تطبيق فريضة الزكاة في مجتمعاتنا المعاصرة تطبيقاً جاداً ومتكاملاً على
المستوى الشعبي والحكومي. قال تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا
عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور)([5]).
فالزكاة من أهم المقومات
التي يتميز بها المجتمع الاسلامي، وتعطيل الزكاة والتهرب من أدائها علامة من
علامات انحراف المجتمع وفساد الاخلاق.
أهداف الدراسة :-
في ضوء دراسة فريضة الزكاة
ومكانتها وآثارها وتطبيقاتها الشرعية يتطلع الباحث إلى تحقيق الاهداف التالية :
1- إبراز حقيقة الزكاة وحكمتها في
الإسلام ومعرفة آثارها في حياة الفرد المسلم (المتصدق والمستحق).
2- إيضاح دور الزكاة في بناء المجتمع
المسلم وحل بعض مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية.
3- تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الزكاة
وتطبيقاتها الشرعية، وغرس الاتجاهات الإيجابية نحو فريضة الزكاة.
4- تنمية وعي الناشئة لأهمية الزكاة
وآثارها التربوية في حياة الفرد والمجتمع المسلم.
5- التأكيد على أثر العبادة التربوي في
تكوين الشخصية المسلمة من خلال تطبيقات الزكاة على مستوى الفرد والجماعة.
6- تحقيق أهداف التربية الإسلامية في
تهذيب الفرد وإصلاح المجتمع من خلال عبادة الزكاة وتطبيقاتها الشرعية والعودة إلى
الكتاب والسنة لأخذ التوجيهات والمبادئ والقيم التربوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق